إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. logo عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
shape
مسألة محيرة
12654 مشاهدة print word pdf
line-top
أهل السنة

القسم الثالث: أهل السنة والجماعة: إن عقيدة أهل السنة أن الله تعالى أعطى العباد قدرة يزاولون بها أعمالهم أو جعل لهم اختيارا يفضلون به بعض الأعمال على بعض؛ فلذلك تنسب إليهم أعمالهم، وتضاف إليهم أفعالهم، ولو كانت بقضاء الله وبقدره وبمشيئته، فإنه -سبحانه- لا يعصى قسرا، ولا يكون في الوجود إلا ما يريد، ولكن له الحجة البالغة.
والله -سبحانه وتعالى- يذكر دائما احتجـاج المشركين بالقدر، ثم يـرد عليهم، وينكر عليهم، مثل قولـه تعالـى: سَيقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ - هذا احتجاج من المشركين بعموم مشيئة الله – إلى قوله تعالى: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ فأخبر بأن له الحجة، ولو شاء لهداهم.
ويقول تعالى في آية أخرى: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ فهو -سبحانه وتعالى- لو شاء لهداهم، ولكن اقتضت حكمته أن يكون في هذا الخلق سعيد وشقي، وفاجر وتقي، وكافر ومسلم، ومشرك وموحد، وعابد وغير عابد، اقتضت ذلك حكمة الله -سبحانه وتعالى- واقتضى أمره وحكمته أن جعل الناس قسمين: قسم خلقهم للجنة فبعملها يعملون، وقسم خلقهم للنار فبعملها يعملون.
ومكن كلا منهم، وأعطاهم إرادة، وأعطاهم قدرة يزاولون بها أعمالهم، وتلك القدرة وتلك الإرادة هي التي يثابون أو يعاقبون عليها.
ومع ذلك فإنهم كلهم تحت مشيئة الله، ولهم مشيئتهم، ولكنها مرتبطة بمشيئة الله، يقول الله تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ يعني أن لكم مشيئة على الاستقامة، ومع ذلك فإن مشيئتكم مرتبطة بمشيئة الله.
وقال تعالى: فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ .

وقال تعالى: فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ .
فالله أثبت للعباد مشيئة، ولكنها مغلوبة بمشيئة الله -سبحانه وتعالى- وله الحكمة في ذلك، وبمشيئة هؤلاء العباد الذين مكنهم وأعطاهم إياها، يثابون ويعاقبون عليها.
فعلى كل حال نقول لهؤلاء الذين يقولون: (سبق الكتاب)، (وكتب الكتاب) ونحو ذلك.
نقول لهم: قد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار أو من الجنة فقال رجل من القوم: ألا نتكل؟ قال صلى الله عليه وسلم: لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له، ثم قرأ: فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى .

فقد أثبت الله تعالى في هذه الآية أن للإنسان عملا فقال: أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ وهذه كلها أعمال، ثم قال: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى أي إذا عمل صالحا كالتقوى والصدق ونحوها فإنا سنيسره لليسرى.
ثم قال: بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ وهذه أيضا أعمال، قال: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى أي إذا عمل أعمالا غير صالحة، كالبخل والكذب ونحوها، فإنا سنيسره للعسرى.
فالإنسان إذن له عمل، وعمله هو أنه يؤمر فيأتمر ويمتثل، ويكون ذلك بمشيئة الله، فلو شاء الله تعالى لم يستطع، ولو شاء الله لرده، ولحال بينه وبين ذلك، لكنه شاء، وله مشيئته التامة، فخلى بينه وبين هذا الاختيار، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وتوعدهم على ذلك:
فتوعدهم على الشر بأنه يعاقبهم عليه، وإن كان الله قادرا على هدايتهم.
ووعدهم على الخير بأنه يثيبهم عليه، وإن كان الله قادرا على إضلالهم.
وله الحكمة البالغة بأن خلق هؤلاء للجنة وهداهم، وأقبل بقلوبهم، فله المنة عليهم، فلا ينعمهم إلا بفضله. وخلق هؤلاء للنار، ويعذبهم بها، وإن كان قادرا على أن يهديهم، ولكنه حال بينهم وبين ذلك، ولم يوفقهم لأسباب الهداية، وجعل لهم الاختيار في أن فضلوا الشر على الخير، فإن عملوا بالشر وصاروا من أهله، عاقبهم ربهم، وعقوبتهم تكون عدلا منه وليس ظلما: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا .
وبالجملة فإن الكلام في هذا يطول، ومن أراد أن يتوسع في ذلك فليراجع رسالة شيخ الإسلام، وغيرها من الرسائل، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

خاتمة
وبعد هذا الجواب المفصل المقنع إن شاء الله فإننا نذكر مثالين - واقعين لكثير من الناس في القضاء والقدر - ، وقد ذكرهما فضيلة الشيخ العلامة عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله - في كتابة: الدرة البهية شرح القصيدة التائية في حل المشكلة القدرية ، فقال

line-bottom